الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار} يعني: أهل مكة يكرهون ذلك لما رأوا من كثرة المسلمين، وقوتهم.وروى خيثمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرئهم القرآن في المسجد، فأتى على هذه الآية: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} فقال: أنتم الزرع، وقد دنا حصادكم.ويقال: {كَزَرْعٍ} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم.{أَخْرَجَ شَطْأَهُ} يعني: أبا بكر {فَازَرَهُ} يعني: أعانه عمر على كفار مكة {فاستغلظ} يعني: تقوى بنفقة عثمان {فاستوى على سُوقِهِ} يعني: قام على أمره علي بن أبي طالب يعينه، وينصره على أعدائه.{يُعْجِبُ الزراع لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار} يعني طلحة، والزبير.وكان الكفار يكرهون إيمان طلحة والزبير لشدة قوتهما، وكثرة أموالهما.{وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم} يعني: لهم.ويقال: فيما بينهم، وبين ربهم.ويقال: مِنْ هاهنا لإبانة الجنس.يعني: {وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم} أي: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {مَغْفِرَةٍ} لذنوبهم {وَأَجْرًا عَظِيمًا} يعني: ثوابًا وافرًا في الجنة.روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ قرأ سُوَرَةَ الفَتْحِ فَكَأنَّمَا شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم». والله سبحانه أعلم. اهـ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هذا؟». قالوا: عامر بن الأكوع. فقال: «غفر لك ربّك». فقال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله، لو امتعتنا به. وذلك أنّ رسول الله (عليه السلام) ما استغفر قطّ لرجل يخصّه إلاّ استشهد. قالوا: فلمّا قدمنا خيبر وتصافّ القوم، خرج يهودي، فبرز إليه عامر، وقال: قد علمت خيبر إنّي عامر شاك السلاح بطل مغامر فاختلفا ضربتين، فوقع سيف اليهودي في ترس عامر، ووقع سيف عامر عليه، وأصاب ركبة نفسه، وساقه، فمات منها، قال سلمة بن الأكوع: فمررت على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: بطل عمل عامر، فأتيت نبي الله وأنا شاحب أبكي، فقلت: يا رسول الله أبطلَ عمل عامر؟ فقال: «ومَنْ قال ذاك؟» قلت: بعض أصحابك. قال: «كذب من قال، بل له أجره مرّتين، إنّه لجاهد مجاهد».قال: فحاصرناهم حتّى أصابتنا مخمصة شديدة ثمّ إنّ الله تعالى فتحها علينا، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى اللواء عمر بن الخطّاب، ونهض من نهض معه من الناس، فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر، وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحينه أصحابه، ويحينهم، وكان رسول الله قد أخذته الشقيقة، فلم يخرج إلى النّاس، فأخذ أبو بكر راية رسول الله، ثمّ نهض فقاتل قتالًا شديدًا، ثمّ رجع، فأخذها عمر، فقاتل قتالًا شديدًا، وهو أشدّ من القتال الأوّل، ثمّ رجع، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أما والله لأعطينّ الراية غدًا رجلًا يحبّ الله، ورسوله، ويحبّه الله، ورسوله يأخذها عنوة».وليس ثَمّ علي، فلمّا كان الغد تطاول لها أبو بكر وعمر وقريش رجاء كلّ واحد منهم أن يكون صاحب ذلك، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن الأكوع إلى علي، فدعاه، فجاء علي على بعير له حتّى أناخ قريبًا من خباء رسول الله، وهو أرمد قد عصب عينيه بشقة برد قطري، قال سلمة: فجئت به أقوده إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله: «ما لكَ؟». قال: رمدت. فقال: «إدن منّي». فدنا منه فتفل في عينيه، فما وجعهما بعد حتّى مضى لسبيله، ثمّ أعطاه الراية، فنهض بالراية وعليه حلّة أُرجوان حمراء، قد أخرج حملها، فأتى مدينة خيبر، وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر معصفر، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يقول: فبرز إليه علي رضي الله عنه، وقال: فاختلفا ضربتين، فبدره علي، فضربه، فقدَّ الحجر والمغفرة، وفلق رأسه حتّى أخذ السيف في الأضراس، وأخذ المدينة، وكان الفتح على يديه، ثمّ خرج بعد مرحب أخوه ياسر بن نحر، وهو يقول: وهو يقول: هل من مبارز؟ فخرج إليه الزبير بن العوّام، وهو يقول: فقالت أُمّه صفية بنت عبد المطّلب: أيقتل ابني يا رسول الله؟ فقال: «بل ابنك يقتله إن شاء الله» ثمّ التقيا، فقتله الزبير، فقال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله (عليه السلام) برايته، فلمّا دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود، فطرح ترسه من يده، فتناول علي بابًا كان عند الحصن، فتترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل حتّى فتح الله تعالى عليه، ثمّ ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه.ثمّ لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح الحُصون حُصنًا حُصنًا، ويجوز الأموال حتّى انتهوا إلى حُصن الوطيح والسلالم، وكان آخر حصون خيبر افتتح، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة، فلمّا أمسى النّاس يوم الفتح أوقدوا نيرانًا كثيرة، فقال رسول الله: «على أيّ شيء توقدون؟» قالوا: على لحم، قال: «على أيّ لحم؟» قالوا: لحم الحمر الأنسية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اهريقوها واكسروها». فقال رجل: أَوَ نهرّقها ونغسلها؟ فقال: «أو ذاك».قال ابن إسحاق: «ولمّا افتتح رسول الله (عليه السلام) القموص حصن بني أبي الحقيق أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حي بن أحطب، وبأُخرى معها، فمرّ بهما بلال، وهو الذي جاء بهما على قتلى من قُتل من اليهود، فلمّا رأتهما التي مع صفية، صاحت، وصكّت وجهها، وحثت التراب على رأسها، فلمّا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أغربوا عنّي هذه الشيطانة». وأمر بصفية، فجرت خلفه وألقى عليها رداءه، فعلم المسلمون أنّ رسول الله قد اصطفاها لنفسه.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال لمّا رأى من تلك اليهودية ما رأى: «أَنُزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمرّ بامرأتين على قتلى رجالهما؟» وكانت صفية قد رأت في المنام، وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أنّ قمرًا وقع في حجرها، فعرضت رؤيتها على زوجها، فقال: ما هذا إلاّ أنّك تمنين مَلِك الحجاز محمّدًا، فلطم وجهها لطمة اخضّرت عينها منها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منها.فسألها: «ما هو؟» فأخبرته هذا الخبر، وأتى رسول الله بزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله، فجحده أن يكون يعلم مكانه، فأتى رسول الله برجل من اليهود، فقال لرسول الله (عليه السلام): إنّي قد رأيت كنانة يطيف هذه الخزنة كلّ غداة، فقال رسول الله لكنانة: «أرأيت إن وجدناه عندك أقتلك». قال: نعم.فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخزنة، فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثمّ سأله ما بقي، فأبى أن يؤدّيه، فأمر به رسول الله الزبير بن العوّام. فقال: «عذّبه حتّى تستأصل ما عنده».فكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتّى أشرف على نفسه، ثمّ دفعه رسول الله إلى محمّد ابن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة، وكانت اليهود ألقت عليه حجرًا عند حصن ناعم، فقتله، كان أوّل حصن افتتح من حصون خيبر.
|